فــــــــــــــاطـمـة ** عروس حضر زفافها 2 مليون شخص
كانت فاطمة جالسة على طرف فراشها تتأمل أختها وهي تحزم أمتعتهما استعدادا لرحلتهم...تلك الرحلة التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر, ابتسمت لها وقالت:لا توضبي لي الكثير من الملابس فلن احتاج لها , قررت أن لا أعود....فاطمة امرأة بلغت من العمر الأربعين ,حلمت وحلمت كثيراً ورسمت في مخيلتها عش هادئ وزوج مخلص وأبناء صالحين لكن الفرصة المناسبة لم تؤتها لتحقيق أحلامها , فقدت والديها وعاشت هي وشقيقتيها في كنف شقيقها , كانت ذات قلب كبير تحب الجميع والجميع يحبها...وجاء اليوم المنتظر..كان يوما ماطراً وشديد البرودة وامتلأت حجرات البيت بالمودعين ,الكل يترقب لحظة السفر والقلق يرتسم على ملامحهم فقد دخلت فاطمة إلى المستشفى قبل يومين نتيجة لوجود التهابات في الحويصلة المرارية ولكن حالتها كانت قد تحسنت عندما اقترب موعد سفرهم....وأزفت لحظة الرحيل..نظرت إلى أختها الصغرى نظرة عميقة يملؤها الحزن , نظرة المودع المفارق احتضنتها مطولاً وبكت...وجاء الشقيق يستعجل فاطمة قائلاً بأن التأخير ليس في صالحهم...خرجت من البيت وسارت لعدة خطوات ثم توقفت ونظرت للخلف إلى البيت الذي عاشت فيه أيامها الحزينة والسعيدة..مر شريط ذكرياتها سريعا أمام ناظريها ولكن صوت أخيها قطع عليها وقفتها..نظرت نظرة المودعة وركبت في السيارة التي أقلتهم إلى حيث تنتظرهم الحافلة التي ستقلهم إلى المطار...طوال الطريق كانت الحافلة تعج بأصوات المكبرين والمسبحين ...مرت الرحلة سريعا..وصلوا إلى المطار وبعد قيامهم بالإجراءات الروتينية وعندما ختم موظف المطار جوازها ابتسم لها وقال حجاً مبروراً سلفاً....طوال الرحلة من بنغازي إلى الأراضي المقدسة ظلت فاطمة تلبي وتكبر وتحمد الله تعالى أن حباها وفضلها على كثير ممكن خلق بهده الرحلة ...كانت تبتسم برغم الألم الذي كان يعتصر أحشاءها....و سرعان ما حطت الطائرة في مطار جدة , في تلك اللحظة لم تعد فاطمة تحتمل ألآمها ..أطلقت صرخة ضعيفة أثارت انتباه شقيقتها التي كانت مأسورة بالأجواء الإيمانية التي تسود الطائرة ونادت شقيقها الذي ذهب مسرعا ليستدعي الإسعاف الذين حضروا ونقلوها إلى المستوصف التابع للمطار..جاء الشقيق وطلب من شقيقته أن تجهز نفسها لأنهم سينطلقون إلى مكة المكرمة بعد لحظات ولكنها استوقفته قائلة :كيف حال فاطمة؟ أريد أن أراها..لماذا لا تسمحون لي برؤيتها والبقاء بجانبها؟؟؟فطمئنها الأخ قائلاً بأنها بخير وسوف تسافر إلى مكة بالإسعاف فقط كإجراء احترازي لحالتها ورضخت الأخت لما قاله لها وبدأت رحلتهم إلى مكة وعندما وصلوا إلى مكان إقامتهم وضعوا أمتعتهم وانطلق الشقيق إلى الحرم حيث كان وقت صلاة العشاء قد حان ..وعندما عاد بادر شقيقته قائلاً لنفترض أن احدهم أعطاك أمانة وأراد أن يستردها بعد فترة فهل لك الحق بمنعه؟؟ فقالت لا..رد الأخ:إذا احتسبي فاطمة فإن لله ما أعطى وله ما اخذ وكل شيء عنده بحساب ...وافت المنية فاطمة في ذلك المساء وصُلي عليها في الحرم المكـي بعد صلاة العشاء.....هذه قصة فاطمة التي زُفت إلى مثواها الأخير كخير ما تُزف العروس ..خرج جثمانها من احد أبواب الحرم إلى قصرها في أعالي الجنان.